وزارة الخارجية الأميركية
المتحدث الرسمي
للنشر الفوري
27 أيار/مايو، 2010
نص خطاب وزيرة الخارجية هيلاري رودام كلينتون حول استراتيجية الأمن القومي لحكومة الرئيس أوباما
معهد بروكينغز
واشنطن العاصمة
27 أيار/مايو، 2010
الوزيرة كلينتون: شكرا جزيلا لكم على إتاحتكم لنا هذه الفرصة للحضور إلى (معهد) بروكينغز للحديث عن استراتيجية الأمن القومي. إني أثمن كلمات ستروب (تالبوت) الرقيقة بخصوص هذه الإستراتيجية لأنه بالتأكيد أولى قدر كبير من الاهتمام لها على أعلى مستويات حكومة أوباما على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية. وما نسعى له هو محاولة دمج العديد من مختلف نواحي الأمن القومي. وقد كان من أحد أهدافنا لدى تسلمنا مقاليد الحكم هو عمل بالضبط ما ذكره ستروب وهو الشروع في طرح الحجج المقنعة بأن الدفاع والدبلوماسية والتنمية ليست أمورا منفصلة لا في جوهرها ولا في عملياتها بل أنه كان يتعين النظر إليها في الحقيقة كجزء من كل متكامل وأن كامل الحكومة يتعين استنفارها في السعي من أجل تحقيقها.
لهذا يسعدني جدا أن تتاح لي هذه الفرصة. ويوجد هنا العديد من الأصدقاء والمفكرين الهامين والمتحدثين عن السياسة الخارجية الأميركية ممن حضروا هذا اليوم إلى جانب أعضاء من السلك الدبلوماسي. نحن سعداء جدا بلقائكم جميعا.
إن هذه هي إستراتيجية شاملة للأمن القومي تدمج عناصر قوتنا في الداخل والتزامنا تجاه الأمن الوطني ودفاعنا القومي وسياستنا الخارجية. وباختصار، هذه الإستراتيجية تدور حول تدعيم وتوظيف الزعامة الأميركية لدفع مصالحنا القومية ولتسوية المشاكل المشتركة. ونحن نقوم بذلك على خلفية مشهد عالمي دائم التغير وتركة صعبة: حربان، واقتصاد متعثر، وتراجع المصداقية في الخارج، ومؤسسات دولية تكابد تحت وطأة التغيرات الشمولية وأكثر من ذلك بكثير.
ونهجنا يدعو لبناء المصادر المتنوعة للقوة الأميركية في الوطن ولرسم النظام العالمي بحيث يصبح أكثر ملاءمة لتحقيق أهدافنا الأسمى وهي: الأمن، والرخاء، وشرح ونشر قيمنا، وقيام نظام دولي عادل ومستديم.
والآن وكما هو جلي فقد تغير العالم الذي نواجهه اليوم. وهذه الإستراتيجية هي إستراتيجية شاملة للأمن القومي لأننا نرى أنه ينبغي علينا أن نلقي نظرة على العالم بصورة أكثر شمولا. فوتيرة وطبيعة الصلة المترابطة، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، والتكنولوجيات الجيدة، - كل هذه الأمور قربت أجزاء العالم، بصورة سطحية في رأيي، من بعضها البعض، ولكنها بصورة أخرى قد بينت تكثيف الطلب على الولايات المتحدة كي تكون قادرة على الرد والقيادة.
إن نوع وعدد الجهات الفاعلة ذات النفوذ –القوى الناشئة والجهات الفاعلة غير الحكومية – لمسناهما بصورة جلية في كوبنهاغن حينما عملت أنا والرئيس أوباما على إنشاء آلية من نوع ما تبرر جسامة التحدي الذي نواجهه والجهود الاستثنائية التي بذلها العديد من الدول وجهات الفاعلة غير الحكومية توطئة لمؤتمر كوبنهاغن.
ونحن نشاهد عالما يمارس فيه نفوذ عظيم من قبل دولة بمفردها تقريبا، مع أن هناك العديد من القوى الناشئة والحالية الأخرى. لكن رغم تلك الحقيقية، لا يدور الأمر حول الحروب بين قوى بل التهديدات المعقدة والمستجدة التي تشكل الأساس—وتدفع--التفاعل بين القوى في عالم اليوم – الإرهاب، انتشار أسلحة الدمار الشامل، التغير المناخي، أمن الإنترنت؛ أمن الطاقة؛ وغيرها الكثير من القوى الأخرى الفاعلة في العالم.
غير أن هناك أيضا فرصا هائلة وأنماط تعاون جديدة وقدرات مستحدثة للنهوض بحياة الناس، وبعض الجهود الملموسة لردم الفوارق الكبيرة في الفهم من خلال وسائل الإعلام ومن خلال الدبلوماسية. ونحن في سباق بين القوى المناصرة للتكامل من ناحية والقوى الداعية للتشرذم والتفكك من ناحية ثانية، ونحن ونرى ذلك كل يوم. وجزء من ذلك التحدي هو تعريف الزعامة الأميركية بصوغ معان ذات صلة بعالمي اليوم والغد. وليس مجرد إلقاء نظرة في المرآة الخلفية، وهو أمر يجعل من العسير جدا أن نسير إلى الأمام.
لذا في عالم من هذا القبيل، فإن الحاجة إلى الزعامة الأميركية لا تنقص بل تزيد. والحقيقة البديهية هي أنه لا يمكن مجابهة أي تحد عالمي هام بدوننا.
وكثيرا ما أذكر أننا نقف بمفردنا حينما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية والاقتصادية التي لا مثيل لها. ولكن هناك أكثر من ذلك بكثير مما نحاول أن ندبر أمره ونوجهه، وحتى أننا في بعض الحالات، نحاول حل قائمة طويلة من المشاكل التي نجابهها. إن مجابهة هذه التحديات تدعو للابتكار والتأقلم والقوة لإظهار القيم، والطاقة على عقد تحالفات عريضة بين اللاعبين وربطهم ببعضهم البعض. وهذه في الواقع هي مزية أميركية مقارنة بالغة الأهمية. ولذا، فنحن الآن أقل قوة، ولكنه يتعين علينا أن نوظف قوتنا بصور مختلفة. وقد بدأنا نتحول من الممارسة والتطبيق المباشرين للقوة إلى خليط أكثر تطورا وتعقيدا من القوة والنفوذ غير المباشرين.
إذن القوة الذكية ليست مجرد شعار. فهي تعني شيئا ما في الحقيقة وهي كانت يقينا تعني شيئا لي حينما بدأت استخدامها. وأعتقد بأنه يجري استعمالها تدريجيا كوصف منصف لما نقوم به.
وعلينا الموازنة بين كل عناصر قوتنا ودمجها بدءا بما يعرف بالمكونات الثلاث: الدبلوماسية والدفاع والتنمية- لكن مع إضافة قوتنا الاقتصادية وقوة مثلنا. وسيتعين علينا أن نتحلى بالصبر والتصميم الاستراتيجيين لأن التطبيق غير المباشر للقوة والنفوذ يتطلب متسعا من الوقت. والآن فإن كل دبلوماسي له تجربة تاريخية ملم يعرف ذلك. لكن نوع الدبلوماسية البطيئة والمتأنية اللازمة للغالبية العظمى من المشاكل التي واجهتها الدبلوماسية عودة إلى الماضي هي أصعب بكثير في هذه الأيام.
وما أعنيه هو أنه يتعين التفكر في بعض تلك اللحظات الحاسمة التي نتأمل فيها بإعجاب حينما تحصل اختراقات. فكم من الصعب الآن أن نتصور عمل ذلك بوجود موقع "تويتر" والمدونات والتغطية الإعلامية على مدار الساعة كي يمكن للعناصر الأساسية لبناء درجة من الثقة وفهم وجهات النظر المتعارضة وأن ننعم برفاهية الوقت، حتى لو كان ذلك لفترة مجرد أيام أو أسابيع، إذ أن كل ذلك كان عرضة للتمحيص. وقد أبلغت عددا من الأصدقاء والزملاء أن زخم مشاريعنا الدبلوماسية هو أقوى بكثير مما كان عليه حينما لاحظته وإلى حد ما شاركت فيه في تسعينيات القرن الماضي. وهي آلية متسارعة بصورة متواصلة تقتضي من الناس أن يتصرفوا في كثير من الأوقات بوتيرة أسرع مما تستوجبه المشكلة. ورغم ذلك هذا هو العالم الذي نجد أنفسنا فيه. ولهذا يجب علينا أن نتكيف مع الأزمنة التي نجد أنفسنا فيها. ونحتاج لشركاء—نحتاج لهؤلاء الشركاء لمساعدتنا على معالجة هذه المشاكل المشتركة.
لقد قلت في مجلس العلاقات الخارجية في العام الماضي إن هناك حقيقتين لا مفر منهما، هما اللتان تحددان عالمنا. أولا، أنه لا توجد أي دولة تستطيع مواجهة تحديات العالم بمفردها. وثانيا، أننا نواجه تحديات حقيقية تقف في طريق تحويل المصالح الجماعية إلى عمل جماعي. وهكذا فإن القيادة تعني التغلب على تلك العقبات ببناء التحالفات التي يمكن أن تسفر عن نتائج لهذه التحديات المشتركة. وتعني تقديم حوافز للدول التي تكون جزءا من الحل، سواء كانوا يدركون ذلك أم لا، وتمكينهم وتشجيعهم على الارتقاء إلى مستوى الوفاء بالمسؤوليات التي لم يكن باستطاعتهم أن يتصوروا حتى منذ عشر سنوات مضت أنها تقع على عاتقهم، وحرمان الدول التي لا تفعل ذلك من تلك الحوافز.
ولدينا إستراتيجية منظّمة لاجتذاب الشركاء الذين نستطيع دعوتهم لمساعدتنا على مواجهة التحديات العالمية. أولا، تنشيط وتحديث تحالفاتنا. لقد عدت من زيارة دولتين من أشد الدول تحالفا معنا، اليابان وكوريا الجنوبية، خلال الأيام القليلة الماضية. وأول زيارة لي كوزيرة للخارجية كانت إلى آسيا، إلى تلك الدول كطريقة لتنشيط التحالفات، ولقد فعلنا الكثير منذ ذلك الحين، لبناء حوارات إستراتيجية قوية مع مراكز التأثير والنفوذ الناشئة.
وغالبا ما يكون هناك رفض للحوار أو لخلق إطار عمل دبلوماسي مستمر لمناقشة موضوعات متعددة من خلاله. ولكنني بطبيعتي أؤمن إيمانا قويا بذلك. وأعتقد أن تعميق تواصلنا مع الدول الرئيسية مثل روسيا والصين والهند وغيرها يعطينا ويعطى نظراءنا فهما أفضل. وهو يضع أيضا العلاقة في إطار عمل أوسع نطاقا بدل حصرها في المجالات المعتادة مثل المواقع الساخنة والأزمات وأحوال الطوارئ التي تلفت انتباه الجميع آنذاك. ولقد رأينا جميعا في العام الماضي كيف استطاع استخدام تلك الحوارات المساهمة في مواجهة بعض المشاكل المهمة المشتركة، كما أنها ساهمت أيضا في الحفاظ على العلاقة على على مستوى واحد في التقدم نحو الأمام.
ولقد بنينا، كما تعلمون،على ما أنجزته الحكومات السابقة بالنسبة للصين، ويجري معنا الآن أكبر تبادل للمسؤولين الحكوميين وتبادل في وجهات النظر كما لم يحدث من قبل على الإطلاق، ليس مع الصين فحسب، ولكن ربما مع أية دولة أخرى. لقد أخذنا معنا أكثر من 200 مسؤول حكومي أميركي إلى بكين في الجولة الثانية من الحوار الاقتصادي الاستراتيجي. والكثير مما أُنجز قد لا يجد طريقه أبدا إلى عناوين الأنباء، لكنه كان كبيرا ومهما.
وأطرح عليكم مثليْن سريعيْن: لقد وقّعنا على أول اتفاق من نوعه على الإطلاق يقضي بأن يعمل الخبراء الأميركيون مع نظرائهم الصينيين في صناعة الغاز الطبيعي في الصين، وهو مجال واعد. ما هي أهمية ذلك؟ حسنا، بالنسبة للصين فإن وجود مصدر طبيعي مستقل للطاقة في بلدها يمثل أنباء طيبة بالنسبة لهم؛ وبالنسبة لنا فإن امتلاك الصين لمصدر طبيعي في بلدها للطاقة هو أيضا يمثل أنباء طيبة بالنسبة لنا. لأننا سنرى وقتها تحولا من الاعتماد على مصادر خارجية للطاقة في منطقة من مناطق العالم وهو ما يؤثر كما هو واضح على سياستهم الخارجية. فلا بد من المحافظة على استمرار دوران عجلات المصانع وإضاءة المصابيح، وهناك مناطق في العالم توفر ذلك. إذا فإن هذا سيؤثر على طريقة تعاملك في التواصل مع تلك الدول.
ثانيا، لقد أجرينا الكثير من المحادثات حول التنمية. فالصين متواجدة بكثافة في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومناطق أخرى في آسيا لأداء أعمال ومشروعات تتعلق بالتنمية، والكثير منها مرتبط بالمصالح الاقتصادية ولكنه ليس قاصرا عليها. ولقد بدأنا بالفعل حوارا للمرة الأولى حول كيفية التوصل إلى فهم أفضل لما يفعلونه، ولأن يكونوا أكثر وضوحا وشفافية فيما يفعلونه، والبحث عن وسائل للعمل معا.
ومع الهند، وهو ما سيبدأ في الأسبوع القادم، فهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يجري فيها حوار استراتيجي على المستوى الوزاري. لقد كان هناك تفاعل فيما بيننا بالطبع، على مستويات متعددة. فـقد كان ستروب حلقة الاتصال فيما بيننا في حكومة الرئيس كلينتون. ولكننا نريد تطوير علاقات، ليس بين كبار المسؤولين فحسب، مثلما كان يفعل ستروب، وإنما مع من يعملون في مجالات التعليم العالي، والمياه النقية، وتمكين المرأة، وهذا هو بالضبط ما نعتزم فعله.
إننا نستثمر في الدول النامية التي نعتقد أنها توشك على الوصول إلى أعلى نقطة مثل غانا وتنزانيا للمساهمة في خلق شركاء جدد تكون لديهم قدرات. وكان خطاب الرئيس في غانا في العام الماضي نداء حقيقيا واضحا للدول الأفريقية لكي تنظر إلى القدرات الكامنة لديها بصورة مختلفة، ولبناء مؤسسات تنقلهم من حكم الفرد إلى حكم المؤسسات. ولذا فإننا نريد العمل من أجل تحقيق المزيد من قصص النجاح.
وإننا نتواصل مع أطراف أخرى بخلاف الدول لبناء علاقات شراكة مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية، ولقد تحدثت بما فيه الكفاية عن بناء الدولة في القرن الـ21. إذا فنحن نبني علاقات شراكة بين التكنولوجيا وتمكين المواطن في مناطق مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية. وإننا نتطلع إلى ضم القطاع الخاص لدينا ليكون شريكا في حل المشاكل، والمبادرة التي أعلنّا عنها في الآونة الأخيرة، باسم "الغذاء من أجل المستقبل" بدأت تختار دولا معينة سنستثمر فيها بكثافة في محاولة لجعل قطاعها الزراعي أكثر إنتاجية لكي يكونوا أكثر قدرة على إطعام أنفسهم. ونحن نتطلع إلى شركاء في القطاع الخاص لمساعدتنا على تحقيق ذلك.
ولقد كنت أيضا في شنغهاي في تلك الجولة الأخيرة، بمعرض شنغهاي، وبالتأكيد شاهدت من نواح متعددة اللحظة التاريخية الرائعة التي تستمتع بها الصين. والصين تتفاعل معنا، ليس على المستوى الحكومي فحسب، وإنما على مستوى القطاع الخاص في الدولتين، ونود أن نعزز المزيد من هذا التفاعل. ولذلك فإن من بين ما أعلنت عنه كان إرسال (تبادل) مائة ألف طالب إضافي بمقتضى مبادرة حكومة أوباما للتواصل مع الصين على مدى السنوات الأربع القادمة. إذا فإننا ندرس ونبحث عن الوسائل التي تخلق مزيدا من علاقات التواصل الشخصي.
إننا نقوم ببناء الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز مشاركتنا مع المؤسسات الإقليمية – حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنظمة آسيان، ومنظمة الدول الأميركية- ومن أجل إصلاح المؤسسات العالمية. وتشكل مجموعة الدول العشرين النموذج الرئيسي لذلك خلال العام المنصرم. إننا نعمل على البنية الإقليمية في آسيا. وقد ألقيت خطابا في هاواي منذ بضعة أشهر تحدثت فيه عما سيكون عليه حال تلك البنية الإقليمية حين تكون الولايات المتحدة داخلة فيها بشكل ثابت وراسخ. ونحن نعمل على التأكد من أن الإدارات والحكومات لدينا في بلدنا تتغير بالطبع بمرور الوقت.
ولكننا نعتقد بأن هناك التزامات معينة، كما رأينا في اتفاق الحزبين تجاه منظمة حلف شمال الأطلسي، ويجب أن يكون ذلك جزءا لا يتجزأ من الأساس الرئيسي للسياسة الخارجية الأميركية وليس مجرد أمر تكون له بدايات ونهايات متقطعة وغير منتظمة. يجب أن يظل التواصل ثابتا ومستمرا. لقد ساد شعور بأن الولايات المتحدة أدارت ظهرها لآسيا، ولا أحد من أصدقائنا كان يريد أن تكون هذه هي الحقيقة. لذا فنحن لا نستطيع السماح لهذا العالم الكبير والمعقد جداً الكثير المطالب بأن يجعل الولايات المتحدة غائبة عن أي مكان فيه.
وإننا نعطي الدول المعادية لنا خيارا واضحا وذلك باتباع نهج ذي مسارين ونحن نتطلع إلى تحويل العالم المتعدد الأقطاب إلى عالم متعدد الشركاء. إنني أعلم أن هناك البعض من المنتقدين الذين يزعمون بأن هذه الطريقة تقوض قوة أميركا، وسلطتها ومكانتها القيادية. وأنا أختلف معهم تماما. إذ إنني أعتقد أننا نريد كسب الأصدقاء في مسعانا من أجل المصالح الأميركية. وقد صادف أننا نظن أن الكثير من تلك المصالح تتفق مع المصالح العالمية، وبالتأكيد، فإن مصلحتنا تكمن في إحداث نتائج أفضل للشعوب في كافة أرجاء العالم.
وفي رأيي أننا نحاول استخدام كل أداة متوفرة في كل ما يتوفر لدينا من عدّة، لأن القيم العالمية تكمن في صميم من نكون، لذا يجب أن تكمن في صلب ما نفعله.إننا نسعى لإيجاد حل للمشاكل نظرا لأننا ملتزمون بتحقيق التقدم العالمي الذي يشجع احترام الكرامة وإتاحة الفرص أمام كل فرد للارتقاء إلى مستوى الإمكانيات التي وهبها الله له. تحتل القيم أهمية بالنسبة لأمننا القومي. إن هذه القيم لا تحتاج إلى أن نكرر ذكرها، ولكنّه من الضروري ليس فقط أن نكرر ذكرها، بل ولعل من الواجب تمجيدها بوصفها مجموعة من المبادئ التوجيهية التي نسترشد بها. ألا وهي الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية التي تعزز بعضها البعض وهي متصلة بشكل عميق بمصالحنا الوطنية.
وهكذا على أية حال، فإن هناك طرقا مختلفة لكيفية التصرف تجاه تلك القيم الإنسانية العالمية. في بعض الأحيان تكون هناك دعوة واضحة، وهو ما حاولت فعله في الخطاب الذي ألقيته حول حرية الإنترنت، وهو وضع ذلك على جدول أعمال العالم وليس فقط على جدول أعمال وزارة الخارجية الأميركية. وأحيانا، تكون عن طريق الدبلوماسية السرية لأننا لا نهتم بمجرد تسجيل النقاط وتصدر العناوين البارزة للأخبار. بل إننا فعلا نهتم بتغيير الظروف، وبتغيير المواقف، وبتغيير القوانين، وبتغيير حياة الناس نحو الأفضل.
والآن، فإن التنمية وحقوق المرأة هما مثالان من الأمثلة التي تلتقي فيها النتائج والقيم. إنه الشيء الصواب الواجب عمله، وهو الشيء الذي ينبغي القيام به. إننا نرى ذلك في كل مكان. حتى في هيئة الموظفين التابعين لي، أشاهد في بعض الأحيان أعين عدد قليل من الموظفين الشباب الذكور تدور حين أتحدث للمرة الـ967 عن حقوق المرأة. ولكنني أفعل ذلك ليس فقط لأنني أؤمن بها بشدة ولكن لأنني أعلم من جميع الأدلة التي توفرت لدينا كلها حول العلاقة بين التنمية والديمقراطية أن المرأة هي المفتاح الأساس لكل منهما، وأن تغيير الظروف التي تمكن المرأة من تحقيق تأثير أكبر، ومزيد من التمكين- من خلال التعليم، ومن خلال الرعاية الصحية، ومن خلال توفير فرص العمل، ومن خلال الوصول إلى الائتمان- يغير تماما الخريطة التي يفكر الناس بها في أنفسهم وما يتوقعه من حكومتهم. ونحن سنواصل تشجيع ذلك باعتباره يصب في صميم المصلحة الأساسية جداً للولايات المتحدة.
والآن، هذه استراتيجية من أجل تحقيق النتائج. إننا نسأل أنفسنا دائما، هل سبق لنا وأن ساهمنا بطريقة ملموسة في التقدم العالمي الذي يحسن الأمن، ويوسع دائرة الازدهار، ويقدم القيم العالمية، ويساعد على بناء نظام عالمي عادل ودائم؟ أو على أساس أكثر تحديداً، هل قد تمكنا من تأمين المواد النووية؟ كانت قمة الرئيس أوباما للأمن النووي بمثابة حدث تاريخي هام جداً نظرا لأنها أتاحت للمرة الأولى للدول أن تلتقي معا للتحدث عن موضوع وصفه جميع الزعماء الحاضرين بأنه يشكل التهديد الرئيسي الأعظم الذي يواجه البشرية، والذي كرمناه بالانتهاكات أكثر مما كرمناه بالإجراءات المتخذة.
وهل قمنا بتحسين الظروف المادية لحياة الناس عن طريق التنمية الفعالة؟ وفي الوقت الذي نشرف فيه على بلوغ الشوط الأخير في المراجعة الأولى على الإطلاق التي ستجرى كل أربع سنوات لملفي الدبلوماسية والتنمية والتوجيه الرئاسي لإجراء الدراسات حول التنمية، إننا نريد أن نُخضَع للمساءلة ونحمّل المسؤولية. إننا نعتقد بأنه إذا كان لنا أن نلتزم بالتنمية، ونطلب من دافعي الضرائب الأميركيين المساعدة في دفع تكاليف إرسال أبناء أشخاص آخرين إلى المدارس أو توفير الرعاية الصحية لأم شخص آخر، فمن الأفضل لنا أن نكون قادرين على تحقيق النتائج.
ونظرا لأن ذلك يقودني حقا إلى النقطة النهائية. فإنه لا يسعني إلا أن أعرب عن التقدير لستروب على تأييده القوي حقا لعمليتنا، وآمل أنه في الوقت الذي تدرس فيه هذا المنتج أيضا، فسوف يخرج منه ذلك النوع من العناوين البارزة. ولعل أهم ما نستخلصه هو أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قوية في الداخل حتى تكون قوية في الخارج. يجب أن نقود بثقة. ولا بد أن تتوفر لدينا الظروف المهيأة في بلادنا بحيث نكون قادرين على إطلاق الزمام للقوة والنفوذ.
إني لا أعتقد أنه سيكون من المفاجئ لأي شخص أن يقال له إنه عندما تولى الرئيس أوباما منصبه في العام الماضي في خضم هذه الأزمة الاقتصادية الخطيرة للغاية، حيث كان الاقتصاد الأميركي في وضع متقلب غير مستقر، إن هناك علامة استفهام كبيرة تقول: ماذا يعني هذا؟ وما الذي تعتزم البلدان الأخرى القيام به لأن أميركا في وضع اقتصادي صعب جداً؟ وإنه ليسرني أن أبلغكم أنه بعد مرور عام، بفضل السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس والتي وافق عليها الكونغرس، على الرغم من كل الجدل السياسي والأخذ والرد بشأنها، فقد أصبحنا في وضع اقتصادي أقوى بكثير مما كنا عليه. وهذا أمر يهمنا. يهمنا عندما نذهب إلى الصين. ويهمنا عندما نحاول التأثير على روسيا. ويهمنا عندما نتحدث مع حلفائنا في أوروبا. ويهمنا عندما نتعامل مع نصف الكرة الأرضية الذي تقع بلادنا فيه، أو عندما نفكر في ما يمكن أن نفعله للمساعدة في التأثير على الأحداث على نحو أفضل في أفريقيا.
ولذا فإن جل هذه الاستراتيجية الأمنية الوطنية يتحدث للمرة الأولى عن التحديات التي نواجهها هنا في الداخل: العجز لدينا، وديوننا، واستراتيجيات مكافحة الإرهاب. وقد ألقى جون برينان خطابا حول هذا الجانب من استراتيجية الأمن القومي، حيث يتحدث عن بعض التغييرات التي تم إجراؤها في هذه الحكومة.
لذا فإننا ملتزمون جداً باتباع هذه الاستراتيجية بجميع الأجزاء العديدة المكونة لها، ولكن نعتقد أن مجموع الأجزاء تساوي كلا يشكل تأييدا قويا للزعامة الأميركية ولدور أميركا الحاسم في القرن الحادي والعشرين. وإننا ندرك تماما الصعوبات التي تواجه العالم اليوم في السعي إلى تحقيق مثل هذا الموقف. ولكننا نعتقد أن لدينا أقصى ما يمكن من القوة لممارسة دورنا لأننا نمثّل الولايات المتحدة الأميركية وأبناء شعب هذا البلد، وقوة تحملهم وقدرتهم على التكيف، وريادة الأعمال وروح المبادرة لديهم، ووطنيتهم، والقيم الجوهرية الأساسية الخاصة بهم. وذلك، أكثر من أي شيء آخر، هو ما نجلبه إلى عملنا في العالم اليوم.